سورة الزخرف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


قوله تعالى: {ولمّا ضُرِبَ ابنُ مريمَ مَثَلاً} أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مجادَلة ابنِ الزِّبعري رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله: {إِنَّكم وما تعبُدون مِنْ دونِ الله..} الآية [الأنبياء: 98] وقد شرحنا القصة في سورة [الأنبياء: 101]. والمشركون هم الذين ضربوا عيسى مَثَلاً لآلهتهم وشبَّههوه بها، لأن تلك الآية إنما تضمنت ذِكْر الأصنام لأنها عُبِدَتْ مِنْ دون الله، فألزموه عيسى، وضربوه مَثلاً لأصنامهم، لأنه معبود النصارى. والمراد بقومه: المشركون.
فأمّا {يَصِدُّونَ} فقرأ ابن عامر، ونافع، والكسائي: بضم الصاد، وكسرها الباقون؛ قال الزجاج: ومعناهما جميعاً: يَضِجُّون، ويجوز أن يكون معنى المضمومة: يُعْرِضون. وقال أبو عبيدة: من كسر الصاد، فمجازها: يَضِجُّون، ومن ضمَّها، فمجازها: يَعْدِلون.
قوله تعالى: {وقالوا أآلهتُنا خيرٌ أَمْ هُوَ} المعنى: ليست خيراً منه، فإن كان في النار لأنه عُبِدَ مِنْ دون الله، فقد رضينا أن تكون آلهتُنا بمنزلته.
{ما ضَرَبوه لك إلاّ جَدَلاً} أي: ما ذَكَروا عيسى إَلاّ ليجادلوك به، لأنهم قد عَلِموا أن المراد ب {حَصَب جهنم} ما اتخذوه من الموات {بل هُمْ قَوْمٌ خَصِمونَ} أي: أصحاب خصومات.
قوله تعالى: {وجَعَلْناه مَثَلاً} أي: آية وعبرة {لبني إسرائيل} يعرِفون به قُدرة الله على ما يريد، إِذ خلَقه من غير أب.
ثم خاطب كفار مكة، فقال: {ولو نشاء لَجَعَلْنا منكم} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: لَجَعَلْنا بدلاً منكم {ملائكةً}؛ ثم في معنى {يَخْلُفُونَ} ثلاثة أقوال. أحدها: يخلُف بعضُهم بعضاً، قاله ابن عباس. والثاني: يخلُفونكم ليكونوا بدلاً منكم، قاله مجاهد. والثالث: يخلُفون الرُّسل فيكونون رسلاً إِليكم بدلاً منهم، حكاه الماوردي.
والقول الثاني: أن المعنى: {ولو نشاء لجَعَلْنا منكم ملائكة} أي: قَلَبْنَا الخِلقة فجَعَلْنا بعضَكم ملائكةً يخلُفون مَنْ ذهب منكم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وإِنه لَعِلْمٌ للسّاعة} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها تَرْجِع إِلى عيسى عليه السلام. ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: نزولُ عيسى من أشراط الساعة يُعْلَم به قُربها، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي.
والثاني: أن إحياءَ عيسى الموتى دليلٌ على الساعة وبعث الموتى، قاله ابن إِسحاق.
والقول الثاني: أنها تَرْجِع إلى القرآن، قاله الحسن، وسعيد بن جبير. وقرأ الجمهور {لَعِلْمٌ} بكسر العين وتسكين اللام؛ وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن، وقتادة، وحميد، وابن محيصن: بفتحهما.
قال ابن قتيبة: من قرأ بكسر العين، فالمعنى أنه يُعْلَم به قُرْبُ الساعة، ومن فتح العين واللام، فإنه بمعنى العلامة والدليل.
قوله تعالى: {فلا تَمْتَرُنَّ بها} أي: فلا تَشُكُّنًّ فيها {واتبعون} على التوحيد {هذا} الذي أنا عليه {صراط مستقيم}.
{ولمّا جاء عيسى بالبيِّنات} قد شرحنا هذا في [البقرة: 87].
{قال قد جئتُكم بالحكمة} وفيها قولان:
أحدهما: النُّبوَّة، قاله عطاء، والسدي.
والثاني: الإِنجيل قاله مقاتل.
{وَلأُبَيِّن لكم بعضَ الذي تختلفون فيه} أي من أمر دينكم؛ وقال مجاهد: {بعضَ الذي تختلفون فيه} من تبديل التوراة؛ وقال ابن جرير: من أحكام التوراة. وقد ذهب قوم إِلى أن البعض هاهنا بمعنى الكُلّ. وقد شرحنا ذلك في [حم المؤمن: 28]؛ قال الزجاج: والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكُلّ، وإِنما بيَّن لهم عيسى بعض الذي اختلَفوا فيه ممّا احتاجوا إِليه؛ وقد قال ابن جرير: كان بينهم اختلاف في أمر دينهم ودنياهم، فبيَّن لهم أمر دينهم فقط. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النساء: 175] [مريم: 37] إلى قوله: {هل ينظُرونَ} يعني كفار مكة.


قوله تعالى: {الأخِلاَّءُ} أي: في الدنيا {يومَئذ} أي: في القيامة {بعضُهم لبعض عدوٌّ} لأن الخُلَّة إِذا كانت في الكفر والمعصية صارت عداوةً يومَ القيامة؛ وقال مقاتل: نزلت في أُمية بن خلف وعقبة ابن أبي معيط {إِلاّ المتَّقينَ} يعني الموحِّدين. فإذا وقع الخوف يومَ القيامة نادى منادٍ {يا عبادِ لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تَحْزَنونَ}، فيرفع الخلائق رؤوسهم. فيقول: {الذين آمَنوا بآياتنا وكانوا مُسْلِمينَ}، فينكِّس الكفار رؤوسهم. قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {يا عبادي} بإثبات الياء في الحالين وإِسكانها، وحذفها في الحالين ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وحفص، والمفضل عن عاصم، وخلف.
وفي أزواجهم قولان:
أحدهما: زوجاتهم.
والثاني: قرناؤهم.
وقد سبق معنى {تُحْبَرونَ} [الروم: 15].
قوله تعالى: {يُطاف عليهم بِصِحافٍ} قال الزجاج: واحدها صَحْفة، وهي القَصْعة والأكواب واحدها: كُوب وهو إٍناء مستدير لا عُرْوَةَ له؛ قال الفراء: الكُوب: الكوز المستدير الرأس الذي لا أُذُن له، وقال عديّ:
مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أبوابُه *** يَسْعَى عليه العَبْدُ بالكُوبِ
وقال ابن قتيبة: الأكواب: الأباريق التي لا عُرى لها. وقال شيخنا أبو منصور اللغوي: وإنما كانت بغير عُرىً لِيَشرب الشارب من أين شاء، لأن العُروة تَرُدُّ الشارب من بعض الجهات.
قوله تعالى: {وفيها ما تشتهي الأنفسُ} وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {تشتهيه} بزيادة هاءٍ وحذفُ الهاء كإثباتها في المعنى.
قوله تعالى: {وتَلَذًّ الأعيُنُ} يقال: لَذِذْتُ الشيءَ، واستلذذتُه، والمعنى: ما من شيء اشتهتْه نَفْس أو استلذَّتْه عين إِلاّ وهو في الجنة، وقد جمع الله تعالى جميع نعيم الجنة في هذين الوصفين، فإنه ما من نِعمة إِلاّ وهي نصيب النَّفْس أو العين، وتمام النَّعيم الخلود، لأنه لو انقطع لم تَطِب.
{وتلك الجَنَّةُ} يعني التي ذكرها في قوله: ادْخُلوا {الجَنَّة التي أًورِثْتُموها} قد شرحنا هذا في [الأعراف: 43] عند قوله: {أُورِثْتُموها}.


قوله تعالى: {إِنَّ المُجْرِمينَ} يعني الكافرين، {لا يُفَتَّرُ} أي: لا يُخَفَّفُ {عنهم وهُم فيه} يعني في العذاب {مُبْلِسُونَ} قال ابن قتيبة: آيسون من رحمة الله. وقد شرحنا هذا في [الأنعام: 44] {وما ظَلَمْناهم} أي: ما عذَّبْناهم على غير ذَنْبٍ {ولكن كانوا هُمُ الظالمين} لأنفسهم بما جَنَوْا عليها. قال الزجاج: والبصريُّون يقولون: {هُم} هاهنا فصل:، كذلك يسمُّونها، ويسمِّيها الكوفيُّون العِماد.
قوله تعالى: {ونادَوا يا مالِكُ} وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن مسعود، وابن يعمر: {يا مالِ} بغير كاف مع كسر اللام. قال الزجاج: وهذا يسميه النحويون: الترخيم، ولكني أكرهها لمخالفة المصحف.
قال المفسرون: يَدْعُون مالكاً خازنَ النار فيقولون {لِيَقْضِ علينا ربُّكَ} أي: لِيُمِتْنا؛ والمعنى: أنهم توسَّلوا به ليَسأل الله تعالى لهم الموتَ فيستريحوا من العذاب؛ فيسكُت، عن جوابهم مُدَّةً، فيها أربعة أقوال.
أحدها: أربعون عاماً، قاله عبد الله بن عمرو، ومقاتل.
والثاني: ثلاثون سنة قاله أنس.
والثالث: ألف سنة، قاله ابن عباس.
والرابع: مائة سنة، قاله كعب.
وفي سكوته عن جوابهم هذه المدة قولان:
أحدهما: أنه سكت حتى أوحى الله إِليه أَن أَجِبْهم، قاله مقاتل.
والثاني: لأن بُعْدَ ما بين النداء والجواب أخزى لهم وأذَلُّ.
قال الماوردي: فردَّ عليهم مالك فقال {إِنكم ماكثون} أي: مقيمون في العذاب.
{لقد جئناكم بالحق} أي: أرسَلْنا رسلنا بالتوحيد {ولكنَّ أكثركم} قال ابن عباس يريد: كُلّكم {كارِهونَ} لِما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {أمْ أبرَموا أمْراً} في {أَمْ} قولان:
أحدهما: أنها للاستفهام.
والثاني: بمعنى بل والإِبرام: الإِحكام. وفي هذا الأمر ثلاثة أقوال.
أحدها: المَكْرُ برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتُلوه أو يُخْرِجوه حين اجتمعوا في دار النَّدوة؛ وقد سبق بيان القصة [الأنفال: 30]، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه إِحكام أمرهم في تكذيبهم، قاله قتادة.
والثالث: أنه إِبرامُ أمرهم يُنجيهم من العذاب قاله الفراء.
{فإنّا مُبرِمون} أي: مُحْكِمون أمراً في مجازاتهم.
{أَمْ يَحْسَبوْن أنّا لا نَسْمَع سِرَّهم} وهو ما يُسِرُّونه من غيرهم {ونجواهم} ما يتناجَوْن به بينهم {بلى} والمعنى: إنّا نَسمع ذلك {ورُسُلنا} يعني من الحَفَظة {لديهم يكتُبون}.
{قُلْ إِنْ كان للرحمن وَلَدٌ} في {إِنْ} قولان:
أحدهما: أنها بمعنى الشرط؛ والمعنى: إِن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم، فعلى هذا في قوله: {فأنا أوَّلُ العابدِين} أربعة أقوال.
أحدها: فأنا أول الجاحدين، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: أن أعرابيَّين اختصما إليه، فقال أحدهما: إِن هذا كانت لي في يده أرض، فعبدنيها. فقال ابن عباس: الله أكبر فأنا أوَّلُ العابدين الجاحدين أن لله ولداً.
والثاني: فأنا أوَّل مَنْ عَبَدَ اللهَ مخالفاً لقولكم، هذا قول مجاهد. وقال الزجاج: معناه: إن كنتم تزعُمون للرحمن وَلَداً، فأنا أوَّل الموحِّدين.
والثالث: فأنا أول الآنفين لله مما قُلتم. قاله ابن السائب، وأبو عبيدة. قال ابن قتيبة: يقال عَبِدْتُ من كذا، أَعبَدُ عَبَداً، فأنا عَبِدٌ وعابِدٌ قال الفرزدق:
أولئكَ قَوْمٌ إِنْ هَجَوني هَجَوتُهم *** وأَعْبَدُ أنْ تُهْجَى تَمِيمٌ بِدارِمِ
أي: آنَفُ وأنشد أبو عبيدة:
وأَعْبَدُ أن أسُبَّهُمُ بقَوْمِي *** وأُوثِرُ دارِماً وبَنِي رَزاحِ
والرابع: أن معنى الآية: كما أنِّي لستُ أول عابدٍ لله فكذلك ليس له ولد؛ وهذا كما تقول: إن كنتَ كاتباً فأنا حاسبٌ، أي لستَ كاتباً ولا أنا حاسبٌ. حكى هذا القول الواحدي عن سفيان بن عيينة.
والقول الثاني: أنّ {إِنْ} بمعنى ما قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد؛ فيكون المعنى: ما كان للرحمن ولد، فأنا أولُ من عَبَدَ اللهَ على يقين أنه لا وَلَدَ له. وقال أبو عبيدة: الفاء على هذا القول بمعنى الواو.
قوله تعالى: {فذَرْهم} يعني كفار مكة {يخوضوا} في باطلهم {ويَلْعَبوا} في دنياهم {حتَّى يُلاقوا} وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن محيصن، وأبو جعفر: {حتَّى يَلْقَوا} بفتح الياء والقاف وسكون اللام من غير ألف. والمراد: يلاقوا يوم القيامة. وهذه الآية عند الجمهور منسوخة بآية السيف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5